الشرع وإسرائيل حبٌّ من طرف واحد سوريا فراس الشوفي الجمعة 18 تموز 2025 آخر حاجز لقوات الشرع على تخوم السويداء بعد انسحا
الشرع وإسرائيل: حبٌّ من طرف واحد
سوريا
فراس الشوفي
الجمعة 18 تموز 2025
آخر حاجز لقوات الشرع على تخوم السويداء بعد انسحاب قواته من المحافظة (أ ف ب)
منذ سقوط النظام السوري السابق، وإسرائيل تحقّق بعضاً من أحلامها التاريخية شيئاً فشيئاً، بعد أن تفكّكت الدولة السورية الحديثة، وانهار الجيش السوري، وسيطر العدو في غضون ساعات على مرتفعات جبل الشيخ لأول مرة منذ تحريرها في حرب أكتوبر 1973. صباح 8 كانون الأول 2024، احتفل رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، بسيطرة أحمد الشرع ـ أبو محمد الجولاني سابقاً ـ على دمشق وشرب الشامبانيا.
أمّا زميله الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، فلم تسعه الفرحة وهو يشمت بسقوط نظام حزب البعث السوري وفكرة القومية العربية، في خطاب علني صفّق له الجمهور في أنقرة، وارتدّ صداه في العالم العربي.
طوال الأشهر الثمانية الماضية، كانت إسرائيل تتقدّم يومياً بالنقاط. سياسياً، يستقتل الشرع لعقد صفقة معها لضمان حكمه وتنفيذ الرغبة الأميركية، و«يُطنّش» كل التعدّيات والتوغّلات المعادية، بل لا يلفظ كلمة احتلال ويؤكّد رغبته في «السلام». واجتماعياً، تتفكّك الهوية الوطنية السورية بفعل السعار الطائفي الذي أجّجته المجازر والانتهاكات اليومية بحقّ السوريين من كل الطوائف وفي كل المحافظات، مع استهداف ممنهج وواسع للعلويين.
أمّا عسكرياً، فيتوسّع جيش الاحتلال في الجنوب، حيث يقضم الأرض ويكسب ولاءات بعض السكان من الدروز ومن السنّة في القنيطرة وجبل الشيخ وحوض اليرموك، ويبني المواقع العسكرية التي تجاوزت الـ15، ويؤسّس بالبنية التحتية لاستقرار طويل الأمد.
لكن جاءت «غزوة السويداء»، لتقصم ظهر البعير، ويصير الجنوب السوري بأكمله تحت يد إسرائيل، بعد أن أعطاها الشرع الذريعة الفورية وسقط في الفخّ الذي أعدّه لنفسه، فأدخل الجنوب في حربٍ طائفية، وبدّد آمال داعميه وآمال السوريين الذين يتوقون إلى خروج سوريا من نفق الحرب.
ومن شدّة فجاجة المشهد، يحاجج كثيرون بأنّ الشرع وجّه قواته العسكرية مستغلّاً التوتّر بين سكان السويداء من الدروز والبدو تنفيذاً لأمر إسرائيلي، كي يتسنّى لإسرائيل أن تتدخّل؛ وأنّ هذا متّفق عليه في لقاء باكو في أذربيجان الأسبوع الماضي، حين اجتمع الشرع ووزير خارجيّته أسعد الشيباني ومندوبه الأمني للعلاقة مع إسرائيل أحمد دالاتي، وجهاً لوجه مع مسؤولين إسرائيليين. والواقع أنه يكفي أن يراقب أي متابع مواقف المحيطين بالشرع وأبرز الإعلاميين العاملين في فلكه، حتى يدرك تلهّفهم إلى التطبيع مع إسرائيل.
وممّا يعزّز هذه النظرية، حديث الناطق باسم وزارة الدفاع السورية عن «أنّ ما حدث اليوم من إسرائيل جاء مغايراً لتوقّعاتنا»، في ما يؤشّر - بحسب الرأي المتقدّم - إلى أنّ الشرع أبلغ إسرائيل مسبقاً بالهجوم على السويداء بذريعة وقف الصراع بين الدروز والبدو، وأنّ الدخول إلى المدينة مثّل جزءاً من مخرجات الحوارات في باكو.
وجاءت قيادة الدالاتي للعمليات في السويداء، كتأكيد لاستغلال الشرع لدور مندوبه في المفاوضات مع إسرائيل، خصوصاً بعد أن كان سبق له أن عيّنه مسؤولاً أمنياً عن المحافظة. كما لا يمكن إسرائيل أن تدّعي عدم معرفتها بالأجواء المشحونة في السويداء تجاه جماعة الشرع وحتمية الصدام مع قواته إذا ما حاولت هذه الأخيرة الدخول إلى المحافظة، وأنّ المجزرة المتوقّعة لن تقلّ فظاعةً عمّا فعله الشرع وجماعته في الساحل السوري.
لكن استناداً إلى صحيفة «الشرق الأوسط» السعودية، فإنّ إسرائيل في لقاء باكو، لم تقبل بعروض الشرع بـ«تطبيع لايت»، بل طالبت بضمانات أمنية قاسية والاحتفاظ بالجولان وجبل الشيخ والمناطق التي احتلّتها حديثاً بشكل واضح. وعلى ما نقله الإعلام العبري، فإنّ مواضيع البحث تناولت أسلحة «حزب الله» والفصائل الفلسطينية والمخيمات في لبنان، ومستقبل اللاجئين الفلسطينيين من غزة، بالإضافة إلى إمكانية فتح مكتب تنسيق إسرائيلي في دمشق من دون طابع دبلوماسي.
جاءت «غزوة السويداء»، لتقصم ظهر البعير، ويصير الجنوب السوري بأكمله تحت يد إسرائيل، بعد أن أعطاها الشرع الذريعة الفورية وسقط في الفخّ
لربّما اعتقد الشرع أنّ العداء المشترك مع إسرائيل لفصائل المقاومة اللبنانية والفلسطينية والنظام السوري السابق، والخدمات التي يقدمّها لجيش الاحتلال بقطع خطوط حزب الله إلى لبنان وطرد المقاومة الفلسطينية من دمشق واسترضاء اللوبيات اليهودية في واشنطن وتسليم أرشيف إيلي كوهين والتنازل عن الجولان المحتل، هي أسباب كافية لكي تسمح له إسرائيل بفرض سيطرته على الجنوب السوري وإخضاع السويداء، متجاوزةً أهدافها الإستراتيجية في السيطرة على الجنوب، ورغبتها في إظهار قوتها كحامية للأقليات الدينية والإثنية وشرطي في الإقليم.
لكن «الغشّ» وسوء فهم الموقف الإسرائيلي الحقيقي من الشرع، لم يقع فيه الأخير وحده، بل أيضاً الموفد الأميركي إلى سوريا، توم برّاك، الذي قال إنّ «الضربات الإسرائيلية على دمشق كانت مفاجئة»، بعد أن كان قد استقوى قبل أيام حين تبجّح على اللبنانيين، بأنه سياسي محنّك و«يلعب الشطرنج وليس طاولة الزهر».
سنوات طويلة من الخدمات لم تشفع للشرع؛ فمنذ تشكّل جبهة النصرة في العام 2012 وما تفرّع عنها من فصائل لاحقاً، كانت هي القوة العسكرية الرئيسة في المعارضة السورية التي عوّلت عليها غرفة العمليات الغربية ـ التركية ـ القطرية، «الموك» في الأردن و«المود» في تركيا، لقيادة العمليات ضد الجيش السوري السابق، وتدمير قدراته ومواقعه.
ومن 2011 وحتى 2018 على الأقل، تسلّل مقاتلو الجبهة إلى أبعد نقطة حدودية في حوض اليرموك مع الجولان المحتل، لذبح الجنود السوريين في مواقعهم وتدميرها وضرب نقاط الدفاع الجوي ومواقع اللواء 90 ومواقع التلول الحاكمة، لا سيّما تل الحارة الذي كان يمنح الجيش السوري تقدّماً في الإنذار المبكر وفي رصد الطائرات الإسرائيلية والحرب الإلكترونية، ويضم تجمعاً كبيراً لأجهزة الترصّد والمراقبة والمعدّات التي اشتراها وراكمها الجيش من الصين وروسيا وإيران. وطوال هذه السنوات، احتفلت جماعة الشرع بكل ضربة إسرائيلية ضد الجيش السوري، وسخّرت من البيانات السورية حول الردّ في الزمان والمكان المناسبين.
كما عالجت إسرائيل المئات من مقاتلي «النصرة» في مشافي الجولان المحتل والجليل الأعلى. وقد سبّب ذلك غضباً أكثر من مرّة في أوساط الدروز السوريين والفلسطينيين في الجولان والجليل والكرمل، وخصوصاً أنّ مقاتلي الجبهة كانوا يهاجمون بعض قرى جبل الشيخ وبلدة حضر في الجولان، فضلاً عن بعض الهجمات المتفرّقة على السويداء، من فصائل تتلقّى المساعدات من إسرائيل. أمّا حين نفّذت «النصرة» هجومها على بلدة قلب لوزة في إدلب، وقتلت عشرات المدنيّين الدروز، وأجبرت أهالي جبل السمّاق على تغيير عاداتهم الدينية والالتزام بطرق مشايخها، فلم تتدخّل إسرائيل لمساعدتهم، وبقيت على دعمها للجبهة. حتى أنّ ابن بلدة مجدل شمس عميد الأسرى السوريين صدقي المقت، اعتقلته إسرائيل مرة بسبب تصويره لجنود الاحتلال وهم يقدّمون الدعم لمسلّحي «النصرة».
أزمة الشرع مع إسرائيل، أنه قدّم كل ما يستطيع تقديمه لها، لكنّ تل أبيب تعتقد أنه لا يملك الأهلية لتعقد اتفاقية معه أبعد من مجرّد اتفاقية أمنية تضمن سيطرتها على الجنوب. فمسألة ضمان الأمن من جانب سوريا، لا توكلها إسرائيل إلى الشرع، بل تنفّذها بنفسها عبر إجراءات عسكرية واسعة. كما أنها تعرف أنّ الرجل، وإن وقّع على اتفاق «سلام»، لا يستطيع مهما فعل أن يفرضه على السوريين، وبالتالي لا قيمة لأي اتفاق معه.
وبينما ترصد إسرائيل انزعاج بعض الفصائل المسلحة المقربة من الشرع من خيار التطبيع، وتدرك أنّ تفجّر الصراع بين الجهاديين هو مسألة وقت ليس أكثر، ترصّد أيضاً شعور الأقليات الدينية والكثير من السوريين بأنه تم التخلّي عنهم من قبل الجميع وطُوّب الشرع ملكاً عليهم، مع خروج إيران من سوريا وانكفاء روسيا في قواعدها وتصريحات توم برّاك والانسحابات الاميركية ومواقف الدول العربية بالدعم المطلق للرئيس الانتقالي. وعليه، فهي تستغلّ المشهد أحسن استغلال.
لا شكّ في أنّ ما قبل «غزوة» السويداء ليس كما بعدها. فالشرع فشل في الاختبار للمرة الألف، من الساحل إلى الجنوب، وبدّد الفرصة التي منحته إياها الدول العربية والغربية، عبر غضّ النظر عن انتهاكاته لعدم وجود بديل جاهز. وهكذا، عاد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غويتيرش، إلى ذكر القرار 2254، وتبدّدت كل آمال رفع العقوبات الظالمة عن الشعب السوري والتي هلّل لها الشرع وجماعته في السابق. بل على العكس من ذلك، من المتوقّع أن تبدأ جهات مختلفة بوضع عقوبات جديدة على مسؤولين وفصائل تورّطت في الدم السوري في الأحداث الحالية، على غرار عقوبات الاتحاد الأوروبي على «الحمزات» و«العمشات».
وبينما ينفتح الصراع الطائفي على مصراعيه وصارت ترتكب الانتهاكات وأعمال الانتقام والتهجير المتبادل من جماعات متطرّفة بين الدروز والبدو على حدّ سواء، وبدأ الغزو الإسرائيلي الفعلي للجنوب السوري، بات الشرع عاجزاً تماماً عن الحفاظ على وحدة التراب السوري؛ إذ إنه غير قادر على استعادة الشرق أو الجنوب، ولا يستطيع إلا إخضاع الساحل بقوة السلاح لا الدولة، كما لا يقوى على ضبط الجماعات المسلّحة والتكفيرية.
أمام هذا العجز، تبدو خيارات الشرع محدودة، وتنصبّ كلّها في غير صالح لبنان، الذي يتأثّر تأثّراً شديداً بالتطورات السورية، وسيكون مهدّداً إذا ما وجد الرجل أنّ طريقه الوحيد لإعادة تسويق نفسه إسرائيلياً، تقديم الخدمات ضد المقاومة اللبنانية والضغط على حزب الله، بعدما فرغت جعبته في الساحة السورية.
ان ما ينشر من اخبار ومقالات لا تعبر عن راي الموقع انما عن رأي كاتبها